ok

خواطر نزيل في الغولاغ

كان يكفِي أن تكون في سنن المحن الصعبة غير حذر بقولك لأن تصبح طرفة عين نزيلاً في الغولاغ !!!
إذ أنت مُطالب في المُعتقلات الستالينية للعمل القسري بالتضحية , مُطالب بأن تكون وسيلة تحقق تقدم اقتصادِي صناعِي واسع النطاق ,لا يقف عند حد الإبادة الجماعية للكولاك ,للمثقفين , للنساء البائسات والأطفال التعساء , مُطالب بدفع ثمن خيانتك المُختلقة للسوفيت ! مُطالب بإنهاء الكساد فلا تكتُب ولا تُفكر ولا تتكلم ولا تشجب فأنت مُختلف وليس بوسعك غير أن تأكل الخبر , تلك الحصة التي تعادل نصابك اليومِي خارج الأسر و تشرب حساء الحثالة تلك الماء الساخن وبقايا موائد الطُغاة المسلوقة !
مُنذ عقد وَ نيّف لم أكتبُ الرسائل , لم يُؤتِيني صرير القلم و لا خشخشة الورق أي رغبة جامحة عدا ما يبعثهُ بيّ لجبُ القيروان من نشاطِ في ذاكرة حُبلي مافتئت عنوة تجعل مخاضها المُؤجل في سُبات ..فإذا ما أبدى الشر عن نواجذه قضت الذاكرة نحبها وهي تكاد أن تكتفي بحياة المعتقلات التي تشد أعناقنا كُل يوم عن أن تبعث برؤوسنا حنين لاعج يهتك ستراً قد بذلته النفس , ويندب حظاً قد طوح به سُبل العناء فلا هُو بشافي ولا مُدركاً غير ما تضيق عنه بطون الرحمة !
فماذا عن فكرة تحُول إلى رغبة لا تُقاوم ؟!
” اللقاء ” الفكرة ذاتها التي تخدع الوعِي كُل صباح وأنت في مُعتقل شُيد في مناف الأمكنة النائية مُحاط بالأسلاك الشائكة لئلا يُراودك الهرب عن نفسه حتى يدب القنوط فيك دبيب النمل في مسكنه, فتلبث مابين حرصك على الحياة واليأس مُعلقاً , يحنق عليك يومك إذ تبدأ العمل في بكرته حتى مُنتصف ليله حيث تلقفك ريح صرصر عاصفة مابينالموجه والأخرى من على كثيف الثلج إلى أن يزهد بكَ الصقيع وقد قمرت عينيك , و انضيت ثوبك , وأدركك البقاءو حتى إذا نزح الوهن عاودت العمل بين الشهيق وآخيه. إذ نحن المُعتقلين قوى العمل لدى الدولة الذي لا نتقاضى عليه أي مبلغ مادي ,نحن أحد عناصر النظام الاقتصادي الشيوعي لأكبر هيئة اقتصادية للسوفيت آنذاك “وزارة الداخلية ” نجالد التعب ونكفر بالجوع في مجرى الشقاء و كلما هممنا بالسقُوط ورأينا الهلاك مُدبر طوتهُ رغبة الحياة ..
تلكم هي مُعسكرات الغولاغ الهيئات المُنشئة لأعظم المُدن الروسية , لك أن تتوقع العمل أيما كان , في المناجم في الغابات والاحتطاب ينحطُ عليكَ الشجّر فيُصلح حالك الشقية على حين غرة, وبعضُ مما استل جسده إلى المنشئات النووية بحضرة الإشعاعات القاتلة حيث لم يكن للنفس البشرية معنى !.. وحيثما ألقي بك تجد اشد صُنوف العذاب دونه خرط القتاد . و دون أن تُبدي أي امتعاض , يدنُو منك النصب فيجزع وتذهب بهِ يد أجلك المؤجل متندراً من هتك حقك .
لقد اتفقنا رُغم عنا على الجُزء المتبقي من الحياة هي نصيب لستالين من الإرث البشري , يأخذها كهبة عند تقديم أي اعتراض حركِِي ,لا غرو بأن تصرفاً كهذا لا يلقَى لدينا الرضا بإستثناء القبول الجبري , ولو أن صبري كان الوسيلة لتحقيق غاية الصمود العُظمى لما بلغ مبلغ صبر غلة الصوادي أمام ماء زُعاق,
مما لم يكُ مدعاة للدهشة أن صدور المعتقلين الرحيبة لم تتأثر جراء العنف والإذلال والجُوع والقسوة , فلو أن نفس تعيش بمعية اضطراب الشعور تقض الصلة بينها و الوقع المضني , لجُعلت بحالة انفصام تام يؤاخي ما نشدتُهٌ لعيشها ولسمت نحو ألباب الرواجح و لذللت الصعاببطريقة ما تجعل المنغصات نائية متوغلة في النأي ..
فلم تنفك تلك حالي أروضها كما تُروض الدابة مخافة النفوق , حتى اذا ضمر العقل واصطلح الخاطر, وجدت نُبؤات الرضوان التام قد ائتلف فعمدت على إغواء سلطان السعادة , فلا أنا بقلق إزاء أمر ولا مُنتظر زائر ولا متوقع قُدوم عابر, أومن يستشعر الحرية من ناشئاً بها غير مُدركاً لما دون ذلك !
فما قد تلقى خارج أحضان ستالين غير حياة المبكى , أنت تعيش الآن بلا خوف بلا قلق على حياة قد رتبت عليها مصالحك وأبناءك لا شيء في الحُسبان واقع في سُبل الخسارة بعد الآن .. جُل ما في الأمر أذ ما بقيت على قيد الحياة في نظام استبدادي أن تنتظر الموت يُشمر عن ساعديه , يعيد لك حقك المُنتهك , يجتثك من أيدي الدكتاتوريين إلى حيث حُسن مآب !
-  سيبيريا 1943

شارك اصدقائك ..!

تعليقات Facebook :

0 التعليقات :

إرسال تعليق