ok

النسبية اللغوية: هل ينظر العربي للحياة مثل الصيني؟

هل تؤثر اللغة على نظرتنا للحياة ؟ وهل اختلاف اللغة بيننا يجعل من رؤية الأشياء شيئاً مختلفاً من فرد لآخر ؟ وهل ما يدركه الفرد العربي هو ذاته ما يدركه الفرد الياباني عند مرورهما بنفس المثيرات والمُدركات ؟
هذا ما سنتعرف عليه من خلال نظريةٍ أحدثت ضجةً عند ظهورها وهي نظرية النسبية اللغوية ، وإن بدأنا الحديث عن اللغة ، اللغة هي من أعقد مظاهر السلوك وهي السلوك الذي يجعلُ من الإنسان متفرداً عن غيره من الكائنات الحية ، إضافةً إلى كونها أحد العوامل المؤثرة على نظرتنا و إدراكنا للحياة و هذا ما تثبته النظريات المعرفية و اللغوية –حيث اللغة كانت موضوعاً تناوله علم النفس بالدراسة والبحث وعلى وجه الخصوص علم النفس المعرفي Cognitive Psychology-  ، ومفادُ هذه النظريات كان : أن التحدث بلغات مختلفة يجعل من رؤية العالم شيئاً مختلفاً لدى متحدثيها المختلفين .
و هذا ما نسمّيه النسبية اللغوية ، وتُنسب هذه النظرية إلى العالم وورف (whorf) من أشهر علماء الاجتماع الأمريكيين . وفكرتها مفادها أن اللغة تحدد التفكير فهي ترى أن المجتمع لا يرى العالم إلا من خلال لغته ، فاللغة تساعد التفكير و تساعد على نموه ، وينطوي هذا الموقف على جانبين هما :
1- التسليم بالنسبية اللغوية , أي أن المتكلمين باللغات المختلفة لديهم إدراكات وتصورات مختلفة عن العالم.
2- الحتمية اللغوية , وتدعي أن بناء اللغة يضع قيوداً أو شروطا على تمثيلات اللغة.
يعتقد وورف أن شكل اللغة المعين , يؤثر في إدراك الفرد للعالم , ويفسر ذلك بأن اللغات تختلف بشكل كبير , ولهذا فإن العالم يتم إدراكه بشكل مختلف من خلال المتحدثين للغات مختلفة.
ومثال بسيط على ذلك :
لو طُلب من شخصين عربي و ألماني أن يرسما “شخصية التفاحة” ؟ كيف سيرسمها كلاً منهما ؟
- في حالة الشخص العربي فإنه سيرسم التفاحة على هيئة أنثى – بشعرٍ طويلٍ مثلاً – (هذهِ تفاحة).
- في حالة الشخص الألماني ، على الأغلب سيرسم التفاحة على هيئة ذكر – بشوارب مثلاً – . ذلك أنّ التفاحة عند الألمان اسم مذكر . إذاً قد تكون نظرية وورف صحيحة فعلاً !
هناك نقطة من النقاط المهمة أيضاً في اللغة ، ذلك أن الإنسان على الأغلب لا يعطي اهتمامه لأشياء لم يطلق عليها أسماء . نذكر على ذلك ما كان في قوله تعالى في كتابه الحكيم حين قال –عزّ وجل- : “وعلم آدم الأسماء كلها” فعِلم آدم الذي أعطاه الله إياه يعطي تصوراً واضحاً عن إلمامه بكل شيء، عند قولهِ أنّ له علمٌ بالأسماءِ كلها .
على كل حال ينبغي علينا أنّ ننوّه لنقطةٍ مهمة –كما أتى بها وورف في نظريته- ذلك أنّ خبراتنا عن العالم من حولنا لا ندركها إلا من خلال المجال الذي تسمح به لغتنا بكلماتها و قواعدها ومن خلال المعنى الذي نعرفه ، بالتالي خبراتنا و أفكارنا مختلفة عن أناس قد مرّوا بنفس تجاربنا لأنه -وببساطة- إدراكاتنا لها تختلف .
إلا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة أن اللغة هي المؤثر الوحيد في إدراكنا للأشياء فهذه نظرة متطرفة جداً ، والعلمُ لا يجبُ أن يكون متحيزاً ، فنحنُ لا نستطيع على كل حال أن ننكر دور عوامل عدة مؤثرة في الإدراك كالعوامل النفسية والظروف الاجتماعية ، البيئية ، السياسية والخبرات الشخصية والثقافية .
بطبيعة الحال كل فردٍ فينا – متفرّد – يختلف عن الفرد الآخر ، و لكلٍ منا نظرته الخاصة للحياة و ذلك بتأثير عوامل متعددة مجتمعة مع بعضها ، ولا يمنع ذلك بالضرورة ألا تكونَ هناك عوامل عامة نشترك فيها جميعاً .
أخيراً ، اللغة ليست مجرد أداة تواصل فحسب ، وهامبولت يقول : ” كل لغة تحمل في طياتها نظرة متميزة إلى العالم ” .

شارك اصدقائك ..!

تعليقات Facebook :

0 التعليقات :

إرسال تعليق